البحث عن العسل في تلال الجارف البرتغالية

توجهت إلى الجنوب قاصداً غابات سيرا دي مونشيك لاستكشاف الجبال في جنوب غرب البرتغال ولتذوق العسل المحلي أو ما يعرف باسم "ميل" في اللغة البرتغالية. فأنا أنصح بشدة استخدام القطار الذي استغرق حوالي ثلاث ساعات ونصف من لشبونة إلى وجهتي في سابويا، تلك المحطة الصغيرة التي تفتقر إلى الحيوية. ثم تسلقت الجبل وسط المناظر الطبيعية التي تخطف الأنفاس ومن حولي نباتات الأوكالبتوس والصنوبر وبلوط الفلين بجانب الأزهار المتفرقة وسط هذا المنظر الخلاب. وتنتشر هناك أشجار الفاكهة مثل البرتقال والليمون ونوع آخر لم أكن أعرفه ولكنه يغطي جزءاً كبيراً من الجبل ويطلق عليه فاكهة الشمارى أو شجرة الفراولة كما هو متعارف عليها. وكان أول ما جذب انتباهي هو استنشاق الهواء النقي النظيف الذي أزال كل ما كان بي من ضغوط.

الوصول إلى سابويا

المناظر الطبيعية المزينة بنبات النفل في غابات سيرا دي مونشيك

عادة لا أفضِّل عسل الأزهار، إلا أن منطقة مونشيك رائعة الجمال حيث يمثل العسل فيها جزءاً كبيراً من ثقافة الجبل. كما تجد خلايا النحل منتشرة في أنحاء الجبال مما حثني على اكتشاف المزيد. دعاني رستم وتامزين إلى منزلهما القابع في جنبات التل، باتجاه طريق متفرع من الطريق المؤدي إلى جبل فويا أعلى نقطة في تلال الجارف. وبينما كنت أتأمل المشاهد الخلابة من الأعلى على طول الطريق المؤدي إلى البحر، قدم لي مضيفيّ غداءً شهياً أثناء روايتهما لقصتهما. فقد انتقلا إلى منطقة الجارف قبل خمس سنوات ولاحظا وفرة عسل الجبال ومن ثم تواصلا مع مربي النحل المحليين وأنشأ شركة Wild About Honey. فقد شاركاني شغفهما بالعسل الخام ومصادره. وبعد الغداء، جلسنا لنتذوق هذه المجموعة الذهبية الرائعة بمذاقها الرائع الذي يختلف حسب خصائصها، فمنها ما هو أحادي الزهرة ومنها ما هو متعدد الزهور، ثم أخذنا في دراسة اللون والقوام ومناقشة الفوائد الصحية. فقد تذوقت بعض أنواع العسل الرائع. وبالفعل، بإمكانك أن تعرف الكثير عن الناس والمكان من خلال ما ينتجون من العسل. وقد لاحظت مدى شغف رستم وتامزين بعملهما، فهم يعملان بنزاهة مع مربي النحل مما سيساعدهم على توصيل عسلهم المحلي إلى باقي أنحاء العالم.

العسل المفضل لديّ، عسل زهر البرتقال من شركة Wild About Honey

لا يبدو تذوق مجموعة من أنواع العسل مع الخروب والزعتر والصنوبر والشمارى ورغوة العسل أمراً رائعاً ولكنه يحتوي على فوائد كثيرة مع بقايا الخلية وصمغ النحل وأقراص العسل وغيرها.

تذوق الأشجار! عسل الصنوبر بالحبوب

خلية قديمة مصنوعة من شجرة الفلين، الطريقة القديمة

جزيل الشكر لتامزين ورستم على هذه الأمسية الرائعة

ومن هناك توجهت قاصداً مونشيك، تلك المدينة البرتغالية الجميلة الواقعة في جانب التل، حيث قطعت الأزقة الضيقة المنحدرة متجهاً نحو قمة المدينة إلى دير يعود إلى القرن الثالث عشر. فهو بحالة متهالكة بحق، غير نأن التوغل إلى الداخل يشعرك أنك ترجع بالزمن إلى الخلف. وهناك رجل يقوم على شؤون الدير، ويزرع الخضروات في الخارج، ويعتني بالدجاج الذي يحوم حول حطام ذلك الدير. كان ذلك الرجل يبيع البيض، إلا أن ما جذب انتباهي هو وجود إناء من العسل فوق رف بدائي الصنع. فاشتريت ما أريد ثم غادرت. فالأمر حقاً يستحق السير خاصة عبر طريق البلوط القديم المؤدي إلى هناك.

آخر جرة عسل!

وبينما كنت استكمل رحلتي لاستكشاف العسل في منطقة مونشيك، سمعت بأمر أب وابنه يربيان النحل ويوفران عسل الشمارى وعسل إكليل الجبل للمتاجر المحلية، وتُعرف شركتهما باسم "Melaria Pe da Cruz". يوجد في البرتغال ما يزيد على 10000 مربي نحل والعدد في ازدياد. ويعتبر الجزء الجنوبي ملائم تماماً لإنتاج العسل بفضل المناخ والهواء النقي. فقد التقيت بجواو جواكيم ذو السبعة والعشرين ربيعاً في مقر إقامة عائلته، حيث كانت العائلة تقوم بتعبئة العسل وتوزيعه. ويعمل الأب خوسيه نيونس جواكيم في هدوء بعيداً عن التنظيف والضوضاء ويتولى أمر إطارات الخلية والحفاظ على الصناديق.

        حان وقت تناول الكعكات. ها هي مرشدتي الصدوقة سوزان رادفورد تأخذني في جولة إلى أوكالا ، فهي منطقة نباتية عبرتها مع إيزابيل. كان المبنى الجميل لعائلتها. وأعجبتني كثيراً فطيرة التفاح الرائعة، ولكن ما أدهشني حقاً هو تقديم البقلاوة. تعود أصول البقلاوة إلى الإمبراطورية العثمانية وهي بالطبع تُعد من الحلوى المعروفة لدينا جميعاً في الشرق الأوسط. لابد وأن أعترف لإيزابيل: البقلاوة التي تصنعينها هي من أجمل أنواع البقلاوة على الإطلاق.

حلوى البقلاوة اللذيذة بعجينة الفيلو الخفيفة، وحشو المكسرات، ومن فوقها طبقة من العسل. كم هي شهية ولذيذة!

شكراً لسوزان على جولة جبال مونشيك. سأعود إلى هذا المكان بالتأكيد.

Riath