ما الذي يميز عسل الكهوف عن غيره؟

raw honey in a cave

وفقاً لاستطلاع نيلسين العالمي للصحة عام 2015 نقلاً عن مجلة فوربس، "يبدي الناس استعداداً كبيراً لدفع مزيد من المال مقابل المنتجات التي تعمل على تعزيز الصحة وخسارة الوزن". شمل الاستطلاع أكثر من 30000 شخص عبر الإنترنت، حيث أبدى 88% من المشاركين استعدادهم لدفع المال مقابل المنتجات الطبيعية والمنتجات التي تسهم في الشفاء من الأمراض وفقدان الوزن. على كل حال كم تريد أن تدفع؟

غالباً ما يعلق المستهلكون على سعر عسل بلقيس دون إدراك الجهود المبذولة في جلب المنتج وتوصيله إلى المتاجر، والقيمة الغذائية الكبيرة الموجودة في كل أنواع العسل الخام. ويعتبر عسل الكهوف على وجه التحديد من أكثر أنواع العسل مرتفعة الثمن ولكن هناك سبب مقنع وراء ذلك. دعوني أوضح لكم بعض الحقائق عن هذا النوع النادر من العسل اليمني.

يتمتع العسل اليمني بسمعة طيبة نظراً لجودته العالية بفضل طبيعة الأرض النباتية والمراعي الخصبة التي يتغذى عليها النحل لينتج أنواع عديدة من العسل بنكهات متنوعة ومتميزة. يشتهر العسل اليمني طيب المذاق بقيمته العالية حيث يمثل امتلاكه رمزاً للمكانة الرفيعة في الثقافة العربية، كما تعبر الضيافة بتقديم العسل اليمني عند زيارة البيت اليمني عن مكانة الضيف الكبيرة.

يعود تاريخ دولة اليمن إلى ما قبل ثلاثة آلاف عام حيث كانت الطريق التوابل الرئيسي الذي يرب بين الشرق وأوروبا. كانت اليمن تعرف قديما باسم سبأ وكانت لها السيادة في ذلك الوقت، حتى أن قصة زيارة ملكة سبأ للملك سليمان قد ذُكرت في القرآن والإنجيل. يشتهر عسل هذه البلد منذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا بجودته العالية وسعره المرتفع فضلاً عن زيادة الطلب عليه بسبب خصائصه الطبية والغذائية المفيدة للجسم.

إن علاقتي بالعسل اليمني قوية للغاية يقيناً؛ فهذا جزء من ثقافتي ورغم أنني نشأت في منطقة يوركشاير بالمملكة المتحدة ولكن أصولي تعود إلى اليمن. فقد انتقلت عائلتي إلى المملكة المتحدة في خمسينيات القرن الماضي واصطحبت معها الكثير من التقاليد اليمينية الراسخة. أتذكر من ذكريات طفولتي التي أحبها أنني كنت أتناول طبق بنت الصحن أو كعكة العسل مع عسل السدر. ولا أزل أعدها اليوم أنا وأمي عندما نجتمع سوياً.

يعد شجر السدر أو العِلب من الأشجار التي تنتج أشهر وأغلى أنواع العسل اليمني. وتتمتع هذه الأشجار بخصائص مميزة مذكورة في القرآن. ونحن في بلقيس، نجني العسل اليمني من وادي دوعن في إقليم حضرموت ومنطقة العصيمات في الشمال، ومن أرخبيل سقطرى. يتميز العسل القادم من هذه المناطق بقيمته الكبيرة وندرته، حيث يتم إنتاجه في بيئات صعبة وتجمعه العشائر القبلية بطريقة يمكن أن توصف بأنها "صناعة منزلية". ونقوم بعد ذلك بتعبئة عسل السمر من وادي دوعن اليمني، وعسل الأزهار البرية وعسل السدر، وعسل سقطرى الخام، وعسل المراعي اليمني، حيث تتميز جميعها بمذاقها الرائع وخواصها العلاجية المميزة، وكذلك العسل الخام ومزيج العسل بالقرفة وبذور السمسم من أجل أن نوفر لعملائنا أفضل مذاق وأفضل تجربة على الإطلاق للتعرف على ثقافة العسل التي تتميز بها هذه البقعة من العالم.

لابد من التأكيد أن المنظومة بأكملها تقوم بدورها على أكمل وجه لإنتاج العسل وتوفيره. ويمكن الاطلاع على الطرق التقليدية المتبعة في اليمن لتربية النحل في كتاب "التاريخ العالمي لتربية النحل وجمع العسل" للكاتبة إيفا كرين. هنا يحمي النحل نفسه من الحرارة عن طريق بناء خلاياه داخل كهوف الجبال. ويشرح الكتاب ايضاً كيف تعلم سكان الجبال محاكاة بيئة الكهوف وبناء نسخ مماثلة وجني العسل بالطريقة ذاتها، فهذا من خير ما تعلموه من الطبيعة. ولا يزال استخدام خلايا الخشبية والعصي في تربية النحل الثابتة والمتنقلة. ورغم ظهور بعض الأساليب الحديثة مؤخراً في تربية النحل وجني العسل، إلا أن الأساليب القديمة لا تزال متبعة حتى الآن.

يعتبر عسل الكهوف من أغلى أنواع العسل اليمني الذي يتم جمعه من وادي عمد، حيث يصنع النحل خلاياه البرية داخل كهوف تلك الجبال النائية. وبعيداً عن حرارة الشمس، يحتفظ هذا السائل الذهبي بقوامه وقيمته الغذائية ولونه الكهرماني الرائع. ونحن في بلقيس نعمل مع مربي النحل هناك للحصول على حوالي 300-400 كجم من العسل فقط كل عامين؛ فهو عسل شديد الندرة والنقاء وعظيم الفائدة ولذلك ترتفع قيمته حيث يبلغ سعر الكيلو الواحد 5500 درهم إماراتي.

لقد أدرك أسلافنا منذ قرون بعيدة الخصائص العلاجية الرائعة للعسل الخام وعسل السدر الذي يُطلق عليه في كثير من الأحيان اسم "عسل المانوكا" بالشرق الأوسط. ويعد عسل السدر الملكي اليمني هو العسل القديم المشار إليه في النصوص الدينية لخواصه العلاجية حيث يعتبر هذا العسل بنوعيه ذو خصائص طبية تفوق بكثير عسل المائدة التقليدي.

يحتوي كل من عسل المانوكا وعسل السدر على خصائص مضادة للبكتريا ومطهرة بفضل رحيق تلك الأشجار. وكما تشتهر شجرة الشاي بزيتها، تشتهر كذلك شجرة السدر بفوائدها الطبية من اللحاء وحتى الثمر ذو القيمة الغذائية المرتفعة، وهو ما ينتقل إلى العسل أيضاً بفضل تربة المنطقة الخصبة.

وتشير التقارير إلى فعالية عسل السدر في علاج مشكلات الكبد وقرح المعدة والتهابات الجهاز التنفسي ومشاكل الهضم والجروح والحروق والشقوق الجراحية بالإضافة إلى تقوية جهاز المناعة وتحسين الصحة العامة. كما أظهرت الدراسات احتواء بعض أنواع العسل على ما يوازي 75-150 مجم من حمض الأسكوربيك لكل 100 جم من العسل، واحتواء أنواع أخرى على أقل من 5 مجم لكل 100 جم. وأظهرت الأبحاث أيضاً أن أنواع العسل ذات اللون الداكن مثل عسل السدر اليمني القادم من الكهوف تحتوي على مستويات أعلى من الخواص المضادة للأكسدة التي تكافح الشيخوخة.

ومن هنا، يتضح لنا سبب ارتفاع ثمن هذا النوع شديد الندرة من العسل الخام، وسبب احتوائه على تلك الخواص الطبية وصعوبة الحصول عليه، وإن تم التمكن من الحصول عليه، فستظل مسألة ضمان جودته في ظل منطقة مليئة بالصراع - وهو أمر يحزنني بشدة- وكذلك مشكلة اللوائح التجارية تمثل تحدياً كبيراً. وقد استغرق الأمر مني الكثير من الوقت والبحث والتفاوض مع القبائل لتأمين شبكة من الموردين إلى بلقيس. رغم كل هذا العناء إلا أنني أشعر بالسعادة لحصولي على هذا المنتج الرائع وأشعر كذك بأنني عدت بالزمن إلى حيث كان أسلافي وأرضهم لأتيح للعالم فرصة تذوق هذا العسل الرائع.

Riath